أربعينية الفنان حمادي السكيك

بتعاون بين عائلته وبعض أصدقائه الفنانين وجمعية الفنون بالمعهد العالي للفنون والحرف التأم بفضاء المركب الثقافي بالقيروان مساء الجمعة 22 أفريل موكب فنّي تشكيلي بمناسبة أربعينية الفنان التشكيلي حمادي السكيك والذي أقيم فيه معرض لوحات للفنان التشكيلي المرحوم ولوحات لبناته الرسامات وثلة من أصدقاءه رسموا كلهم والدهم وصديقهم وزميلهم كل من زاوية النظر إليه وإلى نوعية العلاقة معه .
حمادي السكيك فنان غزير الثقافة صديق المثقفين بالقيروان وخارجها بالإضافة إلى الرسم فهو متكامل المواهب فكتب للمسرح وقام بسينوغرافية عديد أعمال الفرقة القارة ومثّل في السينما وكتب السيناريو.
أصدقاء عديدون حضروا موكب أربعينيته من مختلف الفنون نذكر منهم الفنان هشام رستم والمسرحي لطفي المناعي وحمادي الوهايبي وفاتحة المهدوي وعديد الفنانين التشكيليينّ والمهتمين بالشأن الثقافي اتصلنا ببعضهم وأخذنا أراءهم حول مسيرة حمادي السكيك وفنه نورد منها ما يأتي:
الفنان التشكيلي والحروفي خالد ميلاد : حمادي السكيك رمز من رموز الحركة التشكيلية ليس على مستوى القيروان فقط بل تعدى إشعاعه الوطن والعالم فهو عرض في عديد البلدان ويعرفونه في فرنسا التي عرض فيها، والمميز في حمادي السكيك أمانته لهواجس الفنان وكان يؤمن بالحب في انفتاح كبير على جميع التيارات ويطرح على نفسه مسائل لا تخطر على بال الفنانين، وله حب للمبتدئين فيقف معهم ويعطيهم من خبرته الكثير ففيه فضائل الفنان المحب وحين نفتقده اليوم لا يعني أنه غاب بل هو يقيم في وجداننا فهو معلمنا.
الفنان التشكيلي الهادي عياد: هو مؤسس نادي الفنون التشكيلية بالمركب الثقافي منذ السبعينات اكتشفنا فيه الإنسان الفنان الذي تحكي لوحاته الحيرة الإنسانية والألوان التي يستعملها مليئة بالقيروان والمدينة في حب كبير معها، هو في حالة رسم متواصل لا ينزع القلم من يده فهو يرسم في أي لحظة وبأي شيء تقع عليه يده.
الشاعر حسين القهواجي : حمادي السكيك شاعر ألوان، رجل متحضّر وحداثي في سلوكه وهو عصي عن التصنيف فهو تأثر بالتيار السريالي ثم عاد للانطباعية على غرار موني وبيزارو ثم انتقل إلى الواقعية الجديدة فرسم الناس ببرانيسهم وملابسهم التقليدية وأدواتهم، محطات عديدة في تجربة حمادي السكيك انتقل بين التيارات بفضل امتلاكه للتقنية فهو رسام بارع.
الممثلة فاتحة المهدوي: إلى جانب أنّه فنان تشكيلي هو مسرحي ومصمم ديكور اشتغلت معه في عديد الأعمال أشهرها مسرحية الكسوة التي قام بتصميم وتنفيذ ديكورها ، اشتغل أيضا مع مسرح الأرض والمسرح الوطني وهو صديق للمسرحيين لا يفوت أي عرض مسرحي.
الرسامة رابعة السكيك "ابنته" : لقد ورثنا أنا وأخوتي جيناته الفنية فكلنا نرسم وهو علمنا كلّ شيء وجعلنا نحب الحياة، علمنا كيف ننظر وكيف نحتفي بالتفاصيل والأشياء البسيطة، كان دائما يقول لنا أن للرسام قدرة على التنبؤ بما سيحدث كالإنسان البدائي الذي يرسم على جدارن مغارته رجوعه بالصيد الوفير قبل أن يخرج فرسم القيروان يحيط بها الماء حتى تصبح أكثر ليونة وغزارة واخضرارا في العقليات.
الرسام نجيب عبان رئيس جمعية الفنانين التشكيليين بالقيروان: حمادي السكيك لنا معه عشرة كبرى منذ رجوعه من فرنسا حيث كان له شغف كبير بالقيروان كموضوع للتعبير التشكيلي في جانب كبير من أعماله، مع اهتمام كبير بالرسام فان غوغ وإن كان هذا يمرّ بطريقة غير مباشرة، فالتعابير التشكيلية للمرحوم كانت متأثرة بالرسام الهولاندي مع رسم لذاته في عديد الأعمال وهو ما يعكس علاقته به والمعاناة التي تمر من خلال تعابيره التشكيلية. نعم كان ملما بالتوجهات المعاصرة وهو متعرف عليها ولكنه لم تغريه أن ينتج في إطارها فقد حافظ على طابعه وأسلوبه مع عناية كبيرة بالخط أي بالرسم والشكل مع خوف كبير من الألوان حيث يعتمد الألوان الباهتة .
أرملة المرحوم: حمادي كان كتلة من الحنان، لا يرفض إعانة أي إنسان فالطلبة يأتونه البيت ولا يردهم، البيت كانت عبارة عن مرسم لا يفصل حياته عن فنه فبناتي وهو في عمل دائم والغرف كانت معرضا دائما، ويشهد البيت حضور عديد الفنانين للنقاش والرسم، وهب حياته لفنه حتى آخر لحظة.
الفنان هشام رستم: حمادي السكيك صديق عزيز وفنان خالص لا يفصل بين ذاته وفنّه فهو الإنسان الفنان والفنان الإنسان يعبّر بروحه فهو لا يفرق بين إنسانيته وفنه وهو ما أحبه في جلساتي معه، فهو يجعلك مرتاحا في الحديث دون تبريرات أو صراع أو مشاكسة، بذهابه ترك مكانا كبيرا في القلوب ولكنه ترك أيضا ذكريات جميلة معه، كان معجبا كثيرا بفان غوغ وهو الذي عرفني به من خلال نظرته هو وعلمني أنّ الفنّ هو الذي يعلمنا الحبّ.
الرسام أحمد حميدة القفصي صديق المرحوم المقرّب: هذا الإنسان استثنائي وهو رفيق عمري، رافقني من الصبا حتى وفاته، لمست فيه جانبين فهو الفنان المبدع والإنسان الرائع ولا فصل بين هذا وذاك لأن الفنّ يبقى في النهاية رحلة إلى الذات.
حمادي السكيك فنان لأنّه لامس كلّ الفنون الإبداعية من رسم زيتي ومائي وحفر على الخشب وتصميم الديكور والسينما، فهو مبدع تأثر بمدارس كثيرة بفان غوغ وبول كلي ولكنه خلق لنفسه مسارا خاصا به يمكن إدراجه في الواقعية التشخيصية التي لا تنقل الواقع بشكل فجّ ومسطح بل تعطي الفرصة للرسام للتحليق في عوالمه الخاصة. وحمادي السكيك الإنسان كان رائعا توفرت فيه سجايا الإنسان المتواضع بسلوك قويم ومحبة للناس ولعله في هذا اقتبس من سيرة فان غوغ الذي حين ما الفنّ؟ قال أن تحب الناس، وحمادي كان دائما مسكونا بالمدينة التي لمّا تأملها وجدها رائعة ولكن لمّا دقق فيها النظر وجدها حزينة في قسماتها وملتاعة وكأنه يريد أن يقول أن خراب العمران من خراب القلوب ولكنه كان يتدارك ذلك في لوحاته بإغراقها في الماء وكأنّه يريد أن يقول أنه لا خلاص إلا بعمارة القلوب.
السينمائي طارق الشرطاني : علاقتي به منذ صباي حيث اشتغل على صورة فوتوغرافية أنتجتها وخلق منها لوحة زيتية، كنا نحن السينمائيين نذهب إلى ورشته نناقش مشاريع أفلامنا وكان يشاركنا في ذلك حتى عرضت عليه التمثيل في أول شريط لي بعنوان الليلة الموشومة. بعد ذلك اشتغلنا على ثلاث أشرطة فيديو في ورشة شاركنا فيها المسرحي لطفي المناعي صورناها كفيلم "لا" وترجمة لقصة كافكا وآخر فيلم صوره معي كان سنة 2004 الذي صورته فيه كحمادي الرسام والإنسان.
أعظم ما فيه أنه كان يجمعنا حوله فتولد المشاريع الفنية على يديه، رحمه الله.